تطوير الرعاية الصحية في المملكة- تحديات العلاج بالخارج والحلول الممكنة
المؤلف: فيصل زقزوق11.09.2025

في ربيع الآخر من عام 1376 هجري قمري (منذ سبعين عامًا خلت)، قام الملك سعود، رحمه الله وأكرم مثواه، بافتتاح أول مستشفى عصري في ربوع المملكة العربية السعودية، وقد أُطلق عليه اسم مستشفى الملك سعود، أو مستشفى الشميسي كما هو شائع، والذي بدأ بطاقة استيعابية تقدر بـ 400 سرير آنذاك. لقد شكل هذا الحدث منعطفًا حاسمًا وجوهريًا في مسيرة الخدمات الصحية بالمملكة وتوافرها، خاصة وأن أغلب الخدمات الطبية المتطورة والمعقدة لم تكن متاحة في ذلك الوقت. تزامن ذلك مع انطلاق عجلة التنمية الشاملة والتوسع الملحوظ في البنية التحتية، الأمر الذي ساهم بدوره في زيادة الكثافة السكانية في مدينة الرياض وبقية المدن الرئيسة، ومن ثم ارتفاع الطلب على الخدمات الصحية بشكل مضطرد، حيث أصبحت الحاجة إلى هذا التوسع ضرورة ملحة ومطلبًا أساسيًا. لقد كان هذا الحدث بمثابة إيذان ببدء حقبة جديدة ومزدهرة في مجال معالجة الأمراض والوقاية منها، حتى وصلنا إلى هذا العصر الذهبي الذي تنعم فيه المملكة بتقديم خدمات صحية غير مسبوقة، سواء في القطاعات الحكومية أو الخاصة، بل إن العديد من هذه المنشآت الصحية باتت تضاهي بجودتها ومستواها أرقى المراكز الطبية المرموقة على مستوى العالم أجمع. وعلى الرغم من كل هذا التقدم والازدهار، إلا أن مسألة العلاج في الخارج لا تزال تمثل مطلبًا لدى شريحة واسعة من الناس، وذلك إما لأسباب طبية بحتة، أو لأسباب ثقافية واجتماعية تستدعي التحديث والتطوير.
وهنا، أود أن أخوض في تحليل معمق للأسباب الكامنة وراء ذلك، فأولًا: قد يرجع ذلك إلى عدم توافر الخدمة النادرة والمتخصصة، وهذا أمر طبيعي ومنطقي، إذ قد توجد مراكز عالمية متخصصة في علاج نوع معين من الأمراض النادرة التي يقل ظهورها، مما لا يستدعي استجلاب وتوفير هذه الخدمة داخل المملكة نظرًا للتكاليف الباهظة لتوفيرها محليًا وندرة المستفيدين منها، وهذا مثال معمول به في جميع الدول المتقدمة طبيًا، كالمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرها. ثانيًا: عدم الرضا والاستياء من جودة الخدمة المقدمة وتجربة المريض أو المراجع، وأهم هذه الجوانب السلبية تتجلى في الآتي: 1- ضعف قنوات التواصل الفعال بين المستفيد ومقدم الخدمة. 2- تدني جودة تعامل الكادر الصحي، وذلك نتيجة لغياب الحوافز القائمة على تقييم المراجع. 3- بطء وتيرة الخدمات والإجراءات مقارنةً بالسرعة الفائقة التي يتميز بها القطاع الخاص.
ولتطوير وتحسين هذه الجوانب، لا بد لمنشآت القطاع العام أن تتبنى الهيكلة التشغيلية والإدارية المطبقة في القطاع الخاص، الذي يولي جودة الخدمة أهمية قصوى ويعتبرها الركيزة الأساسية لنجاح المنظومة وكفاءة المخرجات العلاجية والخدماتية، والتي بدورها تنعكس بشكل إيجابي على الحوافز المقدمة لمقدمي الخدمة، وذلك بهدف تأكيد جودة وراحة الكادر الطبي وقياس أدائهم بشكل دوري ومستمر.
ثالثًا: فقدان الثقة في مقدم الخدمة أو الممارس الصحي، إذ إننا نشهد اليوم وفرة هائلة من المحتوى الدعائي والتثقيفي على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات الإلكترونية، مما أدى إلى اهتزاز الثقة في الأطباء نتيجة التعقيدات التي تكتنف بعض الحالات، مما يضطر المراجع إلى زيارة العديد من الأطباء في مختلف المنشآت الصحية. وعلى الرغم من أن تباين التشخيص والخطط العلاجية من طبيب لآخر أمر وارد ومقبول إذا كان ضمن نطاق محدود، إلا أن المستفيد سرعان ما يفقد الثقة ويلجأ إلى طلب العلاج في الخارج، والذي لا يختلف في جوهره عما هو متاح في المملكة في معظم الأحيان. وجزء من المشكلة هنا يكمن في تعدد زيارة المختصين (كما ورد في المقال السابق بعنوان التسوق الطبي)، والذي قد يكون من بين حلوله إشراك المستشفيات الخاصة ضمن سلسلة الخدمات الطبية للتجمعات الصحية، بدلًا من اقتصارها على المستشفيات التابعة لقطاع واحد، بما يتيح إمكانية الموازنة بين ازدواجية الخدمات وطلب الاستشارة الطبية الثانية بشكل منهجي يضمن للمراجع عدم الوقوع في تلك الدوامة الفكرية، بالإضافة إلى تنظيم المحتوى الإعلامي المبالغ فيه بطريقة تعزز من قيمة الخدمة الطبية والعلاجية المقدمة.
